Admin Admin
عدد المساهمات : 157 تاريخ التسجيل : 30/12/2012
| موضوع: جوزيف قرنق .... شجاع في رحيله وفي حياته الأحد ديسمبر 30, 2012 4:21 pm | |
| جوزيف قرنق .... شجاع في رحيله وفي حياته لحظات الفرح تمر سريعاً ، بينما الألم والشجن يحتل كل القلب او جزء منه لبقية العمر ، ولا شك أن حزن شاعر نبيل مثل ( كمال الجزولي ) على فراق صديقيه العزيزين ، ( د. محمد سعيد القدال ) (و د.صديق كدوده ) يفلق الصخر ، لقد افتقدهم الشعب السوداني وملايين الكادحين الذين نذر الفقيدين عمريهما في سبيل رفع الظلم عنهم ولن ينسوا السنين التي قضوها في المعتقلات والتشريد من اجل شعبهم وكرامته . لقد قام الأستاذ (كمال) بنعيهم في هذا الموقع معدداً مآثرهم وتضحياتهم متتبعاً مسيرة حياتهم فأوفى وأفاض واختتم مقالته بدعاء ديني مطول . وبنفس صوفي عميق غير معهود في نعي قادة الحزب الشيوعي وكوادره ، إذ يكتفي الحزب عند نعيهم بالإشادة بالراحل وبمناقبه ونضاله ، نسأل لهم المغفرة والرحمة . أردت بمناسبة كتابات الأستاذ كمال الرائعة أن أشرك القراء معي في الاطلاع على كتابه الذي طالعته في العام الماضي واسمه ( الآخر ــ بعض إفادات مستعرب مسلم عن أزمة الوحدة المتنوعة في السودان ) ويقع في 261 صفحة من القطع المتوسطة في طباعة جميلة وقد صمم الغلاف الشاعر اليأس فتح الرحمن والكتاب من منشورات رواق . والكتاب مجموعة مقالات كانت قد نشرت في هذا الموقع يربطها خيط واحد هو القومية السودانية ، اللغة ، الوحدة والرؤى المختلفة حول ذلك ، وتناول سيرة بعض المفكرين والمثقفين من جنوب الوطن ، اخترت منها سيرة البطل جوزيف قرنق . وإذا كانت ترجمة الشعر من لغة إلى أخرى ومهما بلغت براعتها تفقد شيء تحسه ولا تستطيع ان تترجمه فلكل حضارة موقع خاص للكلمات ، كذلك فان تلخيص اللغة الشاعرية في هذا الكتاب يفقدها طعمها وإبدال الكلمات بأخرى غير موفق ولكنها الضرورة فمعذرة . دعونا ننظر إلى هذا الوصف في ليلة إعدام جوزيف قرنق 1971 بعد انقلاب هاشم العطا : ( كانت عقارب الساعة تشير إلى تمام التاسعة إلا ربعاً مساء الأحد الخامس والعشرين من يوليو 1971 . المطر الذي بدأ عزيفه منذ أول حلول الظلمة الموحشه كان لا يزال يجلد وجه المدينة بزخات كثيفة من النثيث الهطال . والمصابيح الصفراء تنثر بالكاد شيئاً من ضوئها الشاحب الذي أوهنته العاصفة فوق الأسوار الصخريه لسجن كوبر . كان الرعد لا ينفك يقعقع بدوي يصم الآذان ، والوميض المتلاصف يجهش بين الفينة والأخرى عبر الكوى الحديدية للعنابر المكتظة بمئات المعتقلين من الشيوعيين والديمقراطيين ورموز اليسار وقادة التنظيمات النقابية والجماهيرية ، كان الجميع قد اخلدوا تحت وطاة إحساس ساحق بالرهق الثقيل ، إلى نوم مؤرق متقطع ) . انه يضعك مباشرة بإحساس ليلة مقبضه مصحوبه بموسيقى تصوريه في إحدى أفلام الرعب . الكتابة عن المناضل جوزيف قرنق بهذه الإبعاد الإنسانية والنضالية لم اقرها من قبل ، لقد كان الشهيد يسكن البيت الرابع من منزلنا بمنطقة الديوم الشرقيه ، لقد غادرت المنطقة منذ مدة طويلة وكانت السيدة فطومة اكول والتي ترتدي دائماً زي المرأة في الشمال وهو الثوب السوداني لا تزال تناضل لتربية ابناؤها ووفقها الله في ذلك فأحسنت تنشيئتهم وتعليمهم وهم اسرة غاية في الانضباط وحسن الخلق وعلى علاقة طيبة مع جميع الجيران . ولد جوزيف قرنق عام 1932 لأبوين من قبيلة الجور وتلقى تعليمه في رمبيك الثانويه وجامعة الخرطوم كلية الحقوق 1956 . وزير الدولة بوزارة شؤون الجنوب في حكومة مايو الأولى . وقد لعب دوراً هاماً في التمهيد لاتفاقية اديس ابابا للسلام حيث اقنع قيادات انيانيا الاولى وعلى رأسهم ( أقري جادين ) ( ازبوني منديري ) والاب ( ساتور نيو ) و( جوزيف لاقو ) وغيرهم للجلوس لمفاوضات سلام مع الحكومة وقام برحلات لجمهورية أفريقيا الوسطى حيث تجمعات الجنوبيين المختلفة لأجل إقناعهم بالعودة وتقديم الضمانات التي طلبوها . لقد قاد ( جوزيف) مشاريع هامة للتنميه في الجنوب عندما كان وزيراً وشملت خطة التنمية إنشاء مصنع الكناف في (التونج) ومصنع سكر( ملوط) ومنشار( واو) ومنشار(كتري) وتأهيل المجمع الصناعي في (انزرا) . كما استطاع استصدار موافقة على تخصيص 20% من القبول في مؤسسات التعليم العالي للجنوبيين وإتاحة الفرصة لهم لشغل وظائف قيادية في القوات النظامية والسلك الدبلوماسي . عاش جوزيف لكل السودان ولم تمتد يده للمال العام ابداً ، يقول السيد ابراهيم جاد الله وكيل وزارة شئون الجنوب التي تولى حقيبتها (جوزيف ) ( عندما عكفنا على وضع ميزانية التنمية لاحظت أن مناطق بأكملها في أعالي النيل تعاني من العطش ومن شح المياه ، فاقترحت حفر أربعين بئراً ارتوازيه هناك ، ولكن ( جو) امسك بقلمه في حزم وشطب اربعاً وعشرين منها بلا تردد قائلاً هذا ظلم كثير للناس في كردفان ودارفور ) .
كان يعتقد ان المشكلة الوطنية لا تكمن في التنوع العرقي او الديني الو الثقافي او اللغوي في البلاد ، بل في التنمية غير المتوازنة ، لقد كان بسيطاً ومتواضعاً لذلك كان محبوباً . عندما فشل انقلاب هاشم العطا كان جوزيف في المستشفى حيث كان قد تبرع لابنته بالدم لانها كانت مريضة ، ودع زوجته وقال لها ( يا فطومة انا ما حشرد ، زول كبير في القبيلة زيِِي يا فطومة ما بشرد ، انا حامشي اسلم نفسي ) وفي ليلة 25/7/1971 ودع رفاقه في السجن عندما ناداه الجلاد وأصلح ثيابه وطلب مشطاً من رفاقه ولما لم يجده خلل شعره بيديه ومشى بين الجنود ونظر إلى رفاقه وقال لهم بكل طيبة وثبات . عصمت عبد الجبار التربي سلطنة عمان نشرت بجريدة ( سودانيل ) بتاريخ : 14/4/2008 | |
|