أوعك تقطع صفقة شجرة !

جارنا التاجر وجد منا كل ترحيب وهو يفتتح دكانه الجديد لبيع الاسبيرات على شارع القصر جنوب- على الأقل سوف يساهم بدفع ضريبة للدولة بدلاً من هذه التجارة [ الخفية ] لبيع العربات والعقارات والدولارت والتي يرصدها رجال مكافحة التهرب الضريبي وهم أهل للتصدي لها.
لكن ما أن استقر المقام بالجار الجديد حتى فكر في قطع شجرة ( النيم ) الضخمة الموجودة أمام الدكان وهى أصلا جزء من منزل وأنا اتجه للعمل صباحاً سمعت ضربات الفأس على الشجرة وهي تصرخ وتستنجد بي أن أغيثوني وصغار الطير الموجودين على العش يهتفون النجدة النجدة " ياللهول !!! مكانك أيها الرجل ماذا تفعل بحق السماء قال بكل بساطة أريد إزالة هذه الشجرة لأنها تغطي ( اللافتة ) الخاصة بالمحل وأيهما اسبق يا آخى الشجرة أم اللافتة توقف العامل عن ضرب الشجرة واستمر الجدل بيني وبين الرجل , أنت يا زول استأجرت المحل فقط أربعة في خمسة أيه دخل الشجرة في عقد الإيجار ومن اعطاك حق قطعها آو أزالتها والله يا اخوي لو سيد البيت ده ذاتو كان داير قطعها أنا اشتكيته أنت قايل ما في قانون ولا شنو ؟ ما سمعت بحماية البيئة ؟ ويبدو أن الرجل قد فوجئ بحماسي الزائد في الدفاع عن الشجرة المسكينة ثن تهديدي له باللجوء للقانون وتدخل بعض الوسطاء لترك هذا الموضوع حالياً وانصرف العامل بعد أن أحدث جروحاً طفيفة بالشجرة.
أشهد أن الوعي البيئي والجمالي ما زال متخلفاً مما جر علينا كارثة الجفاف والتصحر وسوف يدمر بلادنا تماماً إذا استمررنا في قطع الجائر للأخشاب وكذلك المرعي وفي مؤتمر ( الأرض ) اتهمت الدول الصناعية دول العلم الثالث بتدمير الغطاء النباتي بينما ردت دول العالم بان الدول الصناعية هي سبب التلوث البيئي بدخان المصانع وخلافه من مخلفات الصناعة التي ثقبت طبقة ( الأوزون )
أن إعلامنا وخصوصا التلفزيون يقدم برامج مفيدة وشيقة وعلمية في مجال البيئة مثل برنامج ( الحقل والعلم ) وبرنامج ( الإنسان والبيئة ) وفي الإذاعة برنامج ( نحن والبيئة ) وكثير من اللقطات في برنامج الأطفال التي توضح أهمية المحافظة على البيئة التي يعيش فيها وأعتقد أن النشيد الجميل ( أوعك تقطع صفقة شجرة ) قد فاز بجوائز من مهرجانات خارج السودان وأرشح أيضا ( خواطر فيل ) لنور الجيلاني بالفوز في مسابقة عالمية فهو بالإضافة إلى جمال اللحن والأداء يحمل قيماً في غاية الأهمية وهي حماية الحياة البرية ( الحيوانات المتوحشة ) آما الجمعية السودانية لحماية البيئة فهي تبذل مجهودات كبيرة وأنشأت فروعاً لها بأقاليم السودان المختلفة وأتمنى أن يتوسعوا في عضويتهم وان يجدوا التمويل من الدولة.
والقوانين السودانية التي تتحدث عن حماية البيئة متفرقة ولكنها عريقة كقانون أمراض الحيوانات 1901 وقانون إبادة الجراد 1907 وأمراض النبات 1913 وهي تفوق المائة وخمسين قانوناً واهما قانون صحة البيئة 1975 م
ونعود لآخونا التاجر , فقد اكتشفنا أن الحل سهل تماماً كما حدث في ( دومة ود حامد ) للطيب صالح فالمكان كان يكفي ليرسو المعدية وبناء الضريح , كذلك هنا المكان يكفي لوجود الشجرة ووجود اللافتة حيث تم عمل لافتة ( استاندر ) بالقرب من الشجرة وليس ضروريا أن تكون فوق الباب الخاص بالدكان .
الآن أمر صباحا واجد جاري العزيز يضع كرسيه أمام الدكان تحت الشجرة وأمامه فنجان القهوة والصحيفة , أحييه فيرد التحية بأحسن منها ويقول لي مداعباً والله يا أستاذ الشجرة دية لو قطعتها ما عارف اقعد وين مع الكهرباء المقطوعة طوال يديه .
شكرا يا جاري ولنحافظ جميعا على البيئة .